فصل: تفسير الآية رقم (161):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يعني: رجلًا، وقال: [الطويل]
-........................ ** عَشْرُ أبْطُنٍ.........

بالنَّظَرِ إلى القبيلةِ، ونظيرُ وصف التمييزِ المقرر بالجمعِ مراعاةً للمعنى قول الشَّاعر: [الكامل]
فِيهَا اثْنَتَانِ وأرْبَعُونَ حَلُوبَةً ** سُودًا كَخَافِيَةِ الغُرابِ الأسْحمِ

فوصف حَلُوبَةً وهي مفردة لفظًا بسُودًا وهو جمع مراعاةً لمعناها، إذ المرادُ الجمع.
وقال الفراء: إنَّما قال: {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} والسِّبْطُ مذكر؛ لأنَّ ما بعده أمم فذهب التأنيث إلى الامم، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط لكان جائزًا.
واحتج النحويون على هذا بقوله: [الطويل]
وإنْ قريشًا هذه عَشْرُ أبْطُنٍ ** وأنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلهَا العَشْرِ

ذهب بالبطْن إلى القبيلةِ، والفصيلة، لذلك أنَّثَ، والبطن ذَكَرٌ.
وقال الزَّجَّاج: المعنى: وقطَّعْنَاهُمْ اثنتي عشرةَ فرقةً أسْبَاطًا، من نعتِ فرة كأنَّهُ قال: جَعَلْنَاهُم أسباطًا وفرَّقناهم أسباطًا، وجوَّز أيضًا أن يكون {أسْبَاطًا} بدلا من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ: وتبعه الفارسيُّ في ذلك.
وقال بعضهم: تقديرُ الكلامِ: وقطعناهم فرقًا اثْنَتَيْ عشرَةَ، فلا يحتاجُ حينئذٍ إلى غيره.
وقال آخرون: جعل كلَّ واحدٍ من الاثنتي عشرةَ أسباطًا، كما تقولُ: لزيد دراهم، ولفلانٍ دراهمُ: فهذه عشرون دراهم يعني أن المعنى على عشرينات من الدَّراهِم.
ولو قلت: لفلان، ولفلان، ولفلان عشرون درهمًا بإفراد درهم لأدَّى إلى اشتراك الكُلِّ في عشرين واحدة، والمعنى على خلافه.
وقال جماعةٌ منهم البَغَوِيُّ: في الكلامِ تقديمٌ وتأخير تقديره: وقطعناهم أسباطًا أممًا اثنتي عشرة.
وقوله: {أممًا} إمَّا نعتٌ لـ {أسْبَاطًا}، وإمَّأ بدل منها بعد بدلٍ على قولنا: إنَّ {أسْبَاطًا} بدلٌ من ذلك التَّمييز المقدَّر.
وجعلهُ الزمخشريُّ أنه بدل من {اثْنَتَيْ عَشْرَة}؛ قال: بمعنى: وقطَّعْنَاهم أمَمًا، لأنَّ كل أسباط كانت أمَّةً عظيمةً وجماعة كثيفة العدد، وكلُّ واحد تؤمُ خلاف ما تؤمُّهُ الأخرى فلا تكادُ تأتلف. انتهى.
وقد تقدَّم القولُ في الأسْبَاط.
وقرأ أبان بنُ تغلبَ {وقَطَعْنَاهُمْ} بتخفيف العينِ والشَّهيرةُ أحسن؛ لأنَّ المقامَ للتَّكثيرِ، وهذه تحتمله أيضًا.
وقرأ الأعمش وابن وثَّابِ، وطلحة بنُ سليمان {عَشِرَة} بكسر الشِّينِ، وقد رُوي عنهم فَتْحُها أيضًا، ووافقهم على الكسر فقط أبُو حَيْوَةَ، ولطحة بن مصرف.
وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرة [60]، وأنَّ الكسر لغةُ تميم والسُّكُونَ لغةُ الحجاز.
قوله: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ}.
وتقدمت هذه القصَّةُ في البقرةِ.
{أن اضرب} يجوز في {أنْ} أن تكون المفسِّرة للإيحاء، وأن تكون المصدرية.
قال الحسنُ: ما كان إلاَّ حجرًا اعترضه وإلاَّ عصًا أخذها.
وقوله: {فانبجَسَتْ} كقوله: {فانْفَجَرتْ} إعرابًا وتقديرًا ومعنىً، وتقدَّم ذلك في البقرة.
وقيل: الانبجَاسَ: العرق.
قال أبو عمرو بنُ العلاءِ: {انبَجَستْ}: عَرِقَتْ، وانفَجَرَتْ: سالتْ.
ففرَّق بينهما بما ذُكر.
قال المفسِّرون: إنَّ موسى- عليه الصَّلاة والسَّلام كان إذا ضرب الحجر ظهر عليه مثلُ ثَدْي المرأة فَيَعْرَقُ ثُمَّ يسيل، وهُمَا قَرِيبَان من الفرقِ المذكور في النَّضْح والنَّضْخ.
وقال الرَّاغِبُ: بَجَسَ الماءُ وانبَجَسَ انفَجَرَ، لكنَّ الانبجاسَ أكثرُ ما يقالُ فيما يَخْرج من شيء ضيق، والانفجار يُستعملُ فيه وفيما يخرج من شيء واسع؛ ولذلك قول تعالى: {فانبجست مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا}، وفي موضع آخر {فانفجرت} البقرة: 60]، فاستُعْمِلَ حيث شاق المخرجُ اللفظتان.
يعني: ففرَّق بينهما بالعُمُوم والخُصُصِ، فكلُّ انبجاس انفجارٌ من غير عكس.
وقال الهَرَوِيُّ: يقالُ: انبَجَسَ، وتَبَجَّسَ، وتَفَجَّرَ، وتَفَّتقَ بمعنى واحدٍ.
وفي حديث حذيفة ما منا إلا رجلٌ له آمَّةٌ يَبجُسُهَا الظَّفُر غَيْرَ رَجُلَيْنِ يعني: عمر وعليًّا ما.
الآمَّةُ: الشّجَّة تبلغ أمَّ الرأس، وهذا مثل يعني أَنَّ الآمَّة منا قد امتلأت صديدًا بحيث إنه يقدر على استخراج ما فيها بالظفر من غير احتياج إلى آلة حديد كالمبضع فعبَّر عن زَلل الإنسان بذلك، وأنه تفاقهم إلى أن صار يشبه شَجَّةً هذه صفتها.
قوله: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}.
قال الزمخشريُّ: الأناسُ اسمُ جمع غير تكسير نحو: رخال وثناء وتؤام، وأخواتٍ لها، ويجوز أن يقال: إن الأصل: الكَسْرُ، والتكسيرُ والضَّمة بدلٌ من الكسرةِ لما أبدلت في نحو: سُكَارَى وغُيَارى من الفتحةِ.
قال أبُو حيان: ولا يجوز ما قال لوجهين، أحدهما: أنَّهُ لم يُنْطَقْ بإناس بكسر الهمزة، فيكون جمع تكسير، حتَّى تكون الضمَّةُ بدلًا من الكسرة بخلاف سُكَارَى وغُيَارَى فإنَّ القياس فيه فَعَانَى بفتح فاء الكلمة، وهو مَسْمُوعٌ فيهما.
والثاني: أنَّ سُكَارى وعُجَالى وغُيارى وما ورد من نحوها ليست الضَّمَّةُ فيه بدلًا من الفتحة، بل نصَّ سيبويه في كتابه على أنَّه جمعُ تكسيرٍ أصلٌ، كان أنَّ فَعَالَى جمعُ تكسيرٍ أصلٌ وإن كان لا ينقاسُ الضَّمُّ كما ينقاسُ الفتح.
قال سيبويه- في الأبنيةِ أيضًا-: ويكون فُعَالى في الاسم نحو: حُبَارَى، وسُمَانَى، ولُبَادَى، ولا يكون وصفًا إلاَّ وصفًا إلاَّ أن يُكَسَّرَ عليه الواحدُ للجمع نحو: سُكارى وعُجَالى.
فهذا نَصَّان من سيبويه على أنَّهُ جمعُ تكسير، وإذا كان جمعَ تكسير أصْلًا لم يَسُغْ أن يُدَّعَى أن أصله فَعَلى وأنه أبدلت الحركة فيه.
وذهب المُبَرِّدُ إلى أنه اسمُ جمع أعني فُعَالى بضم الفاءِ، وليس بجمع تكسير.
فالزمخشريُّ لم يذهبْ إلى ما ذهب إليه سيوبيه، ولا إلى ما ذهب إليه المُبَرِّدُ؛ لأنَّه عند المبرد اسمُ جمعٍ فالضَّمَّةُ في فائه أصلٌ وليست بدلًا من الفتحة بل أحدث قولًا ثلاثًا.
{كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} والمُرادُ قَصْرُ نفوسهم على ذلك المطعُومِ، وترك غيره.
وقرأ عيسى الهَمانِيُّ مَا رَزَقْتُكُم بالإفراد.
ثمَّ قال ومَا ظَلَمُونَا وفيه حذف؛ لأنَّ هذا الكلامَ إنَّمَا يَحْسُنُ ذكره لو أنَّهم تعدوا ما أمرهم اللَّهُ به، إمَّا لكونهم ادَّخَرُوا ما منعم اللَّهُ منه، أو أقدمُوا على الأكل في وقت منعهم اللَّهُ منه؛ أو لأنَّهم سألوا عن ذلك مع أنَّ اللَّهَ منعهم منه والمكلف إذَا ارتكبَ المَحْظُورَ فهو ظالم لنفسه، ولذلك وصفهم اللَّهُ بقوله: {ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ لأنَّ الملكف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلاَّ نَفْسَهُ. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}.
فَرَّقهم أصنافًا، وجعلهم في التحزب أخيافًا، ثم كفاهم ما أَهَمهُم، وأعطاهم ما لم يكن لهم بُدٌّ منه فيما نابَهم؛ فظللنا عليهم ما وقاهم أذى الحرِّ والبرد، وأنزلنا عليهم المَنَّ والسَّلوى مما نفى عنهم تعبَ الجوعِ والجهد والسعي والكد، وفجَّرنا لهم العيونَ عند النزول حتى كانوا يشاهدونهم عيانًا، وألقينا بقلوبهم من البراهين ما أوجب لهم قوة اليقين، ولكن ليست العِبْرةُ بأفعال الخَلْقِ ولا بأعمالهم إنما المدارُ على مشيئة الحق، سبحانه وتعالى فيما يُمضِي عليهم من فنون أحوالهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (161):

قوله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما حباهم في القفار، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال: {وإذ} أي اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتوقعوا مثل عذابهم، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا أخذته عنهم، وهو وقت إذ، وعدل عن الإكرام بالخطاب ونو العظمة، لأن السياق للأسراع في الكفر فقال: {قيل لهم اسكنوا} أي ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة، ولا يسمى ساكنًا إلا بعد التوطن بخلاف الدخول، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أيّ وجه كان {هذه القرية}.
فهو دليل آخر على الأمرين: الصرف والصدق؛ وعبر هنا بالمجهول في {قيل} إعراضًا عن تلذيذهم بالخطاب إيذانًا بأن هذا السياق للغضب عليهم بتساقطهم في الكفر وإعراضهم عن الشكر، من أيّ قائل كان وبأيّ صيغة ورد القول وعلى أيّ حالة كان، وإظهارًا للعظمة حيث كانت، أدنى إشارة منه كافية في سكناهم في البلاد واستقرارهم فيها قاهرين لأهلها الذين ملؤوا قلوبهم هيبة حتى قالوا: {إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها} [المائدة: 24].
ولما خلت نعمة الأكل في هذا السياق عما دعا إليه سياق البقرة من التعقيب وهو الاستعطاف، ذكرت بالواو الدالة على مطلق الجمع، وهي لا تنافي تلك، فقال: {وكلوا منها} أي القرية {حيث شئتم} وأسقط الرغد لذلك، وقدم {وقولوا حطة} ليكون أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعرًا بعظيم ما تحملوه من الآثام، إيذانًا بما سيقت له هذه القصص في هذه السورة المقام.
ولما أمروا بالحطة قولًا، أمروا أن يشفعوها بفعل، لتحط عنهم ذنوبهم، ولا ينافي التقديم هنا التأخير في البقرة، لأن الواو لا ترتب، فقال: {وادخلوا الباب} أي باب بيت المقدس حال كونكم {سجدًا نغفر لكم} ولما كان السياق هنا لبيان إسراعهم في الكفر، ناسب ذلك جمع الكثرة في قوله: {خطاياكم} في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن عامر {خطيتكم} بالإفراد وقراءة غيرهما {خطياتكم} جمع قلة فللإشارة إلى أنها قليل في جنب عفوة تعالى، وكذا بناء {نغفر} للمجهول تأنيثًا وتذكيرًا، كل ذلك ترجيه لهم واستعطافًا إلى التوبة، ولذلك ساق سبحانه ما بعده مساق السؤال لمن كأنه قال: هذا الرجاء قد حصل، فهل مع مع المغفرة من كرامة؟ فقال: {سنزيد} أي بوعد لا خلف فيه عن قريب، وهو لا ينافي إثبات الواو في البقرة {المحسنين} أي العريقين في هذا الوصف. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}.
اعلم أن هذه القصة أيضًا مذكورة مع الشرح والبيان في سورة البقرة.
بقي أن يقال: إن ألفاظ هذه الآية تخالف ألفاظ الآية التي في سورة البقرة من وجوه: الأول: في سورة البقرة {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية} [البقرة: 58] وهاهنا قال: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية} والثاني: أنه قال في سورة البقرة {فَكُلُواْ} بالفاء وهاهنا {وَكُلُواْ} بالواو.
والثالث: أنه قال في سورة البقرة {رَغَدًا} وهذه الكلمة غير مذكورة في هذه السورة.
والرابع: أنه قال في سورة البقرة: {وادخلوا الباب سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ} وقال هاهنا على التقديم والتأخير.
والخامس: أنه قال في البقرة {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} وقال هاهنا: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيئاتكم} والسادس: أنه قال في سورة البقرة: {وَسَنَزِيدُ المحسنين} وهاهنا حذف حرف الواو.